أبرز نظريات علم الاجتماع:
وضع أوغست كونت الفلسفة الوضعية، وفسّرها في
كتبه التي صدرت بين عامي 1830 و1848. وهي تقوم على وضع قواعد علمية (مستوحاة من القوانين
المادية كقانون نيوتن مثلًا) لتفسير الظواهر الاجتماعية. وعلى الرغم أن هذه الفلسفة
ساهمت في تأسيس وتعريف علم الاجتماع، وأثرت في العديد من علماء الاجتماع اللاحقين أمثال
«هيربرت سبنسر-Herbert Spencer»
و«إميل دوركيم-Emile Durkheim»،
إلا أنها واجهت فيما بعد الكثير من التحديات والرفض من قبل علماء اجتماع آخرين.
يمكن تصنيف نظريات علم الإجتماع إلى نوعين: النظريات
الكليّة Macro theory التي تتناول مشاكل شريحة كبيرة من الناس، والنظريات
الجزئية Micro theory التي تتناول علاقة خاصة بين مكونات معينة محدودة.
سنتناول في هذا المقال النظريتين الشاملتين الأبرز
في علم الاجتماع بشكل بسيط وموجز. وعلى الرغم أنهما مختلفتان، لكنها ليس بالضرورة متناقضتين،
فهما تفسران العالم من وجهات نظر مختلفة.
-النظرية الوظيفية :
النظرية الأولى هي «النظرية الوظيفية» وهي نظرية
محافظة، ترى العالم كمكانٍ متوازن، وترى المجتمع كالجسد الذي يتألف من عدة أنظمة وأعضاء
ولكلٍّ منها وظيفته، وعلى هذه الأنظمة المختلفة أن تعمل سويةً لتحافظ على توازن وصحة
الجسد ككل. تعد هذه النظرية متأثرة بفلسفة كومت الوضعية، قفد قارن هيربرت سبنسر المجتمع
البشري بالجسد، والمؤسسات والعائلة والدين بالعظام والأعضاء والعضلات. وتعتبر النظرية
أن أي مكوّن لا يعمل بشكل طبيعي يفيد النظام الاجتماعي هو خلل، ويجب معالجته. مثلًا،
تعتبر أن الفقر هو خلل في المجتمع المزدهر. وغالبًا تحمّل النظرية مسؤولية الخلل للمكون
نفسه، مثلًا الفقير يتحمل مسؤولية فقره، وعليه أن يعمل بنفسه ليصبح أغنى. ويطرح العالم
الفرنسي إميل دوركيم مفهوم “الوعي الجماعي” الذي يقود كل مكونات المجتمع الواحد ويؤثر
على معتقدات وتصرفات كل فرد منه، ويحافظ على استقرار قيمه.
-نظرية الصراع (الماركسية) :
النظرية الثانية هي نظرية الصراع، وتعد نظرية تقدمية وهي تُبرز الصراع الإجتماعي والمنافسة واللامساواة. تنبع من كتابات كارل ماركس، الذي انتقد في الثورة الصناعية الرأسمالية الناتجة عن تغير أساليب الإنتاج. واعتبر ماركس أن نتيجة الرأسمالية (وقبلها الإقطاعية) والتوزيع غير العادل للثروة سبب في بزوغ نظام ثنائي متناقض. الرأسماليين "البرجوازيين"الذين يملكون كل موارد الإنتاج، ومن جهة أخرى الطبقة العاملة أو "البروليتاريا" التي لا تملك سوى قوة عملها. العلاقة بين هاتين الجهتين ليست علاقة وظائفية. على العكس، حيث يسعى الرأسماليون إلى مراكمة الثروات على حساب الطبقة العاملة. تنظر النظرية الماركسية إلى مشكلة الفقر كمشكلة اجتماعية، ناتجة عن استغلال الطبقة الغنية للطبقة العاملة الفقيرة، وهو ما يبقيها فقيرة. وهنا تدخل عوامل أخرى تؤثر على الوضع الاجتماعي للفرد وهي العرق والجندر، التي تعزز أحيانًا وجوه التمييز واللامساواة.